شوهد مؤخرًا في أعالي حمانا الخلابة طائر سمنة صخري وحيد من الذكور ذو الذيل الكستنائي (Monticola saxatilis)، وأبهر المراقبين بريشه البديع. وقد التُقطت صورته بعدسة مدير مرصد حمى حمانا للطيور الجارحة التابع للجمعية اللبنانية للحفاظ على الطبيعة (SPNL)، شادي سعد، لتكون هذه المشاهدة تذكيرًا حيًا بهشاشة التنوع البيولوجي الجبلي في لبنان — وبالاختفاء الصامت لأنواع كانت مألوفة يومًا ما في هذه التضاريس المرتفعة.
برأسه الأزرق الرمادي، وبطنه البرتقالي المشتعل، وظهره المرصّع بنقاط سوداء وبيضاء بدقة، يُعدّ ذكر السمنة الصخري ذو الذيل الكستنائي طائرًا بالغ الجمال. أما الأنثى، فرغم تدرجات ألوانها البنية الهادئة، إلا أنها لا تقل إثارة للإعجاب — مصمّمة للتخفي والبقاء بين المنحدرات الصخرية والقمم التي تعصف بها الرياح.
🌍 طائر الجبال والهجرات
وفاءً لمعنى اسمه العلمي — Monticola saxatilis، أي “ساكن الصخور الجبلية” — يتكاثر هذا النوع في موائل صخرية على ارتفاعات عالية تمتد من جنوب أوروبا عبر آسيا الوسطى وصولًا إلى أجزاء من شمال إفريقيا. يفضل المنحدرات الحجرية المفتوحة، والمروج الألبية، والمناطق الجبلية المكسوّة بالشجيرات، حيث يبني عشه في الشقوق، أو الجدران، أو حتى المباني المهجورة.
ومع قدوم الخريف، ينطلق طائر السمنة الصخري ذو الذيل الكستنائي في رحلة هجرة تمتد آلاف الكيلومترات نحو إفريقيا جنوب الصحراء، عابرًا البحار والصحارى في واحدة من أروع الرحلات الموسمية في عالم الطيور. ووفقًا لمنظمة BirdLife International، يقطع بعض الأفراد مسافات تصل إلى 6,000 كيلومتر سنويًا، للوصول إلى مناطق الإشتاء في بلدان مثل السودان، وإثيوبيا، وكينيا.
🐛 الغذاء والأغنية
يتغذى هذا النوع بشكل أساسي على الحشرات، لكنه يستهلك أيضًا ثمارًا صغيرة مثل العنب والتوت، وخصوصًا خارج موسم التكاثر. ويُعرف الذكر بأغنيته العذبة النابضة بالحياة، التي يؤديها من أماكن مكشوفة خلال فصل الربيع وبداية الصيف، لترتد أنغامه عبر الوديان معلنةً عن منطقته وجاذبةً لشريكة تزاوج.
📉 الحماية: تراجع خفي
على المستوى العالمي، يُصنَّف طائر السمنة الصخري ذو الذيل الكستنائي ضمن فئة “أقل قلقًا” (Least Concern – LC) في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN). ومع ذلك، تُخفي هذه الحالة واقعًا مقلقًا: فالنوع يشهد تراجعًا معتدلًا نتيجة فقدان وتدهور موائل التكاثر. فالتوسع الزراعي، والرعي الجائر، وتشجير الأراضي الصخرية المفتوحة، وتطوير منتجعات التزلج كلها تساهم في تفتيت موائله في المناطق الجبلية.
أما في لبنان، حيث لا يزال هذا الطائر يتكاثر بين الحين والآخر، فالضغوط أشد حدة. فالتوسع العمراني غير المنظم في المناطق الجبلية، وتدمير المواطن الصخرية، والصيد غير المشروع، جعلت من مشاهدته حدثًا نادرًا. وجوده اليوم أقرب إلى مفاجأة عابرة من كونه جزءًا من التوقعات الموسمية.
🥚 التكاثر والسلوك
يبني عشه عادة في شقوق الصخور أو ملاصقًا للجدران الحجرية، ويحتوي على ما يصل إلى خمس بيضات بلون أزرق سماوي. يشارك كلا الوالدين في تربية الصغار، التي تولد في صمت الجبال المنحوت بالرياح، وسرعان ما تتحول إلى متسلقة ماهرة وطائرات واثقة.
📸 لحظة في حمانا
في منتصف أبريل 2025، ظهر ذكر من طائر السمنة الصخري ذو الذيل الكستنائي بشكل خاطف ومذهل في بلدة حمانا اللبنانية — وحيدًا، دون أن تُرى شريكته. هل ستلحق به في الوقت المناسب؟ هل سيتكاثر هنا؟ أم سيرحل وحيدًا؟
هذه هي الأسئلة الصامتة التي تهمس بها منحدرات لبنان وغاباته من الأرز — والتي تذكّرنا بما قد نخسره إن لم نتحرك لحماية موائل هذا الجمال المهدَّد.
📷 حقوق الصورة: شادي سعد
🔗 تعرّف أكثر على هذا الطائر عبر منصة BirdLife International’s DataZone
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.