في خطوة نوعية تعكس التزام المجتمع المحلي بحماية الطبيعة وتعزيز التنمية المستدامة، نظّمت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) لقاءً تفاعليًا في بلدة قرنايل، استضافته جمعية التنمية الريفية. اللقاء شكّل محطة مفصلية في مسيرة البلدة نحو الاستدامة، حيث تمّ التعريف بمفهوم الحمى كإطار عمل رئيسي للأنشطة المستقبلية، وسط مشاركة فاعلة من أبناء البلدة والجهات المعنية.
إحياء مفهوم الحمى… عودة إلى الجذور
تُعدّ الحمى نموذجًا أصيلاً متجذّرًا في التقاليد العربية لإدارة الموارد الطبيعية وحمايتها، وقد أعادت جمعية حماية الطبيعة في لبنان إحياؤه كوسيلة فعّالة لتمكين المجتمعات المحلية من صون تراثها الطبيعي والثقافي، وضمان استدامة مواردها للأجيال القادمة.
على مدى أكثر من عقدين، كرّست الجمعية جهودها لتعزيز هذا النموذج في مختلف المناطق اللبنانية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن حماية الطبيعة لا تنجح إلا بالشراكة مع المجتمعات، وبالاستناد إلى المعارف المحلية والقيم البيئية المتجذّرة في ثقافتنا.
جلسة عصف ذهني لرسم الأولويات
تميّز اللقاء بأجواء إيجابية وتفاعلية، حيث أفسح المجال أمام مختلف الفاعلين في البلدة، من جمعيات محلية، ومزارعين، وشباب، وناشطين بيئيين، للتعبير عن تطلعاتهم وتحديد أولوياتهم. وقد قاد فريق SPNL جلسة عصف ذهني مثمرة، ناقش خلالها المشاركون كيفية الاستفادة من إطار الحمى لتلبية احتياجات المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.
وتنوّعت الاقتراحات بين تعزيز السياحة البيئية، وتشجيع الزراعة المستدامة، وتنمية الوعي البيئي، وإعادة تأهيل المساحات الطبيعية المتدهورة. وبرزت إرادة جماعية لجعل قرنايل نموذجًا حيًّا للتوازن بين الإنسان والطبيعة، ووجهة رائدة في مجال الحفاظ على البيئة.
إعلان قرنايل مقرًا رسميًا للحمى
في لحظة لافتة خلال اللقاء، أعلن المجتمع المحلي وبإجماع الحاضرين عن تخصيص مقر رسمي للحمى في قرنايل، ليكون نقطة انطلاق لجميع الأنشطة البيئية والاجتماعية المستقبلية. وسيشكّل هذا المكتب مساحة دائمة للتنسيق، والتدريب، والتوعية، وتفعيل مشاركة المجتمع في جهود الحفاظ على الموارد الطبيعية.
كما سيُتيح هذا المقر لقرنايل الانخراط بشكل فاعل ضمن شبكة مواقع الحمى التي ترعاها SPNL في مختلف المناطق اللبنانية، والتي باتت تضم أكثر من 25 موقعًا، من بينها كيفون، عنجر، كفرزبد وغيرها، ممّا يعزز الترابط بين القرى ويخلق دينامية وطنية لحماية الطبيعة.
SPNL… التزام راسخ بتمكين المجتمعات
أكد ممثلو جمعية حماية الطبيعة في لبنان خلال اللقاء أن الحمى ليست مجرّد إطار بيئي، بل نهج متكامل يعزز المشاركة المحلية، ويدعم التنمية الاجتماعية، ويُعيد الاعتبار للدور الأساسي للمجتمعات في حماية البيئة. كما أوضحوا أن جهود الجمعية في قرنايل تأتي انسجامًا مع رؤيتها الوطنية والدولية، خصوصًا من خلال إدراج مواقع الحمى في قاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية، والدفع باتجاه الاعتراف بالحُمى كإحدى أدوات الحماية الفعّالة للمساحات الطبيعية (OECMs) في لبنان.
قرنايل… نموذج يُحتذى به
جاء هذا الإعلان ليؤكد أن قرنايل باتت جزءًا من حركة وطنية متنامية تُعيد الاعتبار لدور الناس في حماية بيئتهم، في ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتفاقمة التي تواجه لبنان. وبفضل هذا النموذج التشاركي، تصبح حماية الطبيعة فرصة حقيقية لتحسين سبل العيش وتعزيز الصمود المجتمعي.
وفي ختام اللقاء، بدا واضحًا أن بلدة قرنايل ماضية بثقة نحو المستقبل، متسلّحة بروح الحمى، وبإرادة أهلها، وبرؤية جمعية حماية الطبيعة في لبنان لتكريس شراكة حقيقية بين الإنسان والطبيعة.