حزن عميق وألم كبير، ودّعت الأسرة البيئية العربية والعالمية، وقبلها الأرض التي أحبّها ونذر حياته لحمايتها، الصديق والمربي والناشط البيئي القدير عدنان البديري، الذي ترك بصمة لا تُمحى في كل زاوية من زوايا العمل من أجل الطبيعة والإنسان.
عدنان لم يكن شخصاً عادياً في مسيرة حماية الطبيعة. كان أحد أوائل الروّاد الذين فهموا أن العلاقة بين الإنسان وبيئته لا تقوم على العزل والمنع، بل على الشراكة والاحترام المتبادل. من قلب الأردن، انطلقت رحلته المهنية بعد تخرّجه في تخصّص حماية الطبيعة والمحميات المائية والبحرية، ليبدأ مشواراً حافلاً بالعطاء في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، حيث أدار وأشرف على تأسيس محميات رائدة مثل ضانا، والموجب، وزوبيا، والأزرق، والشومري، وغيرها.
لكن جوهر حكاية عدنان مع الطبيعة تبلور في بداية التسعينيات، حين تبنّى بحكمة ورؤية مفهوم “الحمى”، وهو المفهوم الأصيل الذي يجمع بين الحفاظ على الموارد الطبيعية وتمكين المجتمعات المحلية من إدارتها بشكل مستدام، بعيداً عن الأساليب التقليدية التي تحوّل المحميات إلى مناطق مغلقة معزولة عن الإنسان.
مع جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، شكّل عدنان البديري جزءاً من الحلقات الأولى لإحياء مفهوم الحمى في منطقتنا. ظلّ صوتاً صادقاً ومدافعاً شرساً عن الشراكة الحقيقية مع المجتمعات المحلية، مؤمناً بأن حماية الطيور، والأراضي الرطبة، والمناطق الجبلية، لا تكتمل إلا بوجود الإنسان كشريك أصيل فيها.
في مسيرته الدولية، حمل البديري اسم الأردن والمنطقة العربية عالياً، من خلال عمله مع بيردلايف إنترناشونال، وجمعية حماية المناطق الرطبة العالمية، وساهم في بناء قواعد بيانات رائدة للمناطق المهمّة للطيور والأراضي الرطبة في الشرق الأوسط، ودعم إنشاء شراكات فعّالة بين الجمعيات والوزارات البيئية في المنطقة، وسعى دائماً لإيجاد التمويل والموارد لدعم المجتمعات وحماية الطبيعة.
لم يكن عدنان مجرّد إداري أو خبير تقني. كان أباً روحياً للكثير من الأجيال الشابة، وقدوة لكل من آمن بأن العمل البيئي رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة أو وظيفة. ترك خلفه إرثاً غنيّاً من المعرفة، وقصصاً لا تُحصى عن التحدّي والأمل، وابتسامة دافئة لا تُنسى.
اليوم، ونحن في جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، نفتقده كصديق وشريك ومُلهم، لكننا نُجدّد العهد بأن نواصل مسيرته، وأن نحمل مشعل الحمى، ونزرع الأمل، ونُحافظ على الطبيعة كما أرادها عدنان، مساحة للحياة، والكرامة، والشراكة بين الإنسان والأرض.
نم بسلام يا صديق الأرض…
ستبقى خُطاك محفورة في دروب الطبيعة، وستظل ذكراك حاضرة في كل حمى، وكل طائر يُحلّق، وكل نبضة حياة في هذا الكوكب.