أجنحة الصمود: قصة أنثى العُقاب المُستنقعية التي تم إنقاذها في لبنان

في أراضي خيارة الخصبة، وهي قرية تقع في سهل البقاع الغربي بلبنان، شهد صباح أحد أيام الربيع مشهدًا مؤلمًا ومعبّرًا. فقد وُجدت أنثى العُقاب المُستنقعية (Circus aeruginosus)، وهي طائر جارح معروف بأجنحته العريضة وتحليقه المنخفض فوق المستنقعات، ملقاة على الأرض، بجناحها الأيسر المهشم بفعل رصاصات صياد غير شرعي. كانت تمثل رمزًا للحرية، تحلّق من أوروبا الشرقية إلى أفريقيا مرورًا بلبنان، حتى توقفت رحلتها قسرًا بسبب ظاهرة الصيد الجائر التي لا تزال تنخر في جسد الطبيعة اللبنانية.

سباق مع الزمن

تسلّم الطائر المصاب شادي سعد، المتخصص في رصد الطيور الجارحة في جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، بعد أن أبلغ أحد المزارعين المحليين عن إصابته. وبعد تقييم سريع لإصابته البالغة، نُقل مباشرة إلى مركز إنقاذ الطيور المهاجرة التابع للجمعية في مركز حمى جبل لبنان – كيفون.

قال سعد: “كان الكسر في الجناح شديدًا، ولا يمكن إصلاحه بطريقة تُمكّنه من الطيران مجددًا، ولكن كان علينا التدخل. حتى لو لم يعد للطيران، فهو يستحق الرعاية والكرامة وفرصة ثانية للحياة”.

في المركز المجهّز بوحدات بيطرية وأقفاص تأهيل ومراقبة دائمة، تلقّت العُقاب العلاج اللازم من مضادات حيوية ومسكنات ودعم غذائي. وعلى الرغم من تحسّن حالتها الصحية، إلا أن الأمل في عودتها للطبيعة بقي ضعيفًا.

ضحية لأزمة أوسع

العُقاب المُستنقعية ليست مجرد طائر، بل تُعد من الأنواع المهمة بيئيًا والمحمية بموجب اتفاقيات دولية مثل اتفاقية برن وملحقات اتفاقية الطيور المهاجرة. ولبنان، الذي يشكل ممرًا رئيسيًا ضمن مسار الهجرة الشرقي للبحر المتوسط، يشهد سنويًا عبور أكثر من 400 نوع من الطيور المهاجرة، مما يجعل من هذه الخسارة فادحة على المستوى البيئي.

وبحسب جمعية BirdLife International وSPNL، يُقدّر عدد الطيور التي تُقتل بشكل غير قانوني في لبنان بأكثر من 2.6 مليون طائر سنويًا، رغم وجود قوانين تحظر الصيد الجائر. وتشمل الضحايا أنواعًا مهددة مثل العُقبان واللقلق والبلشون والطيور المغردة، وغالبًا ما يتم عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي بفخر.

حياة جديدة برسالة نبيلة

ورغم أن العُقاب لن تعود للتحليق، إلا أن قصتها لم تنتهِ هنا. تخطط SPNL لتحويلها إلى سفيرة للتوعية، حية تُجسد الصمود وتُسلّط الضوء على قضية الصيد الجائر. ومن خلال برنامج “مدرسة بلا جدران”، ستساهم في توعية الأطفال والمزارعين والصيادين حول أهمية حماية التنوع البيولوجي في لبنان.

يشرح مدير الجمعية، الأستاذ أسعد سرحال، قائلاً: “كل طائر ننقذه هو رسالة. رسالة عن الخلل في علاقتنا مع الطبيعة، ورسالة عن مسؤوليتنا الجماعية في تصحيح هذا المسار.”

وتسعى SPNL حالياً لتوسيع قدرات مركز الإنقاذ من خلال حشد الدعم المالي، سواء من الشركاء الدوليين أو الجهات المحلية. ويتضمن هذا الطموح تجهيز غرفة عمليات بيطرية، وتوسيع مرافق التأهيل، وإنشاء مسار تعليمي للزوار وطلاب المدارس والباحثين.

دعوة للحماية بدلًا من الصيد

في ظل أزمات لبنان المتعددة—الاقتصادية والبيئية والسياسية—قد يبدو الحديث عن الطيور رفاهية. لكن فقدان التنوع البيولوجي ليس مجرد تهديد للحيوانات؛ بل إنذار مباشر لمستقبل البشر أيضًا.

اليوم، تستقر أنثى العُقاب المُستنقعية في قفص هادئ في مركز كيفون. لا تطير، لكن نظراتها الثاقبة لا تزال تبحث في الأفق… بعينٍ لا تخلو من الرجاء.

لم تعد مجرد طائر جارح. لقد أصبحت رمزًا للبقاء، ونداءً للعمل.

للمساهمة في دعم مركز إنقاذ الطيور المهاجرة وجهود حماية الطيور في لبنان، زوروا الرابط التالي:
https://www.spnl.org/campaigns/equipping-our-migratory-bird-rescue-center

مجلة الحمى العدد الرابع

يُنشر هذا العدد من "الحِمى" في ظلّ النزاع والنزوح – وهي واقع مؤلم يعرفه لبنان جيدًا. ومع ذلك، يواصل الشعب اللبناني وجمعية حماية الطبيعة في لبنان التمسك بالصمود، ودعم العائلات النازحة، والمضي قدمًا في تحقيق الأهداف البيئية والتنموية.

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

انضم طلاب جامعة الأنطونية إلى وحدة السمك والحياة البرية...

في إطار جهوده المستمرة لتعزيز الوعي البيئي وتحفيز مشاركة الشباب، نظّمت وحدة السمك والحياة البرية (FWU) جولة...

اختصاصية التغذية مونيك بسيلا زعرور تستكشف مواقع الحمى مع...

في إطار جولتها الهادفة إلى تعزيز الوعي البيئي والغذائي، قامت اختصاصية التغذية السيدة مونيك بسيلا زعرور بزيارة...

حملة تنظيف في حمى بيصور: خطوة رائدة نحو بيئة...

في مبادرة لافتة تعكس الوعي البيئي المتنامي لدى أبناء البلدة، نظّمت مجموعة Baissour Hunters & Friends Group...