رزان المبارك في مقابلة حصرية مع “الحمى”: من وحي الصحراء ومرونة الطبيعة

 أولويتي تفعيل رؤية الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN

(مجلة الحمى العدد السادس

حاورتها: راغدة حداد – رئيسة تحرير مجلة الحمى

رزان‭ ‬خليفة‭ ‬المبارك‭ ‬رائدة‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬والعمل‭ ‬المناخي،‭ ‬تشغل‭ ‬منصب‭ ‬رئيسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لحماية‭ ‬الطبيعة‭ (‬IUCN‭)‬،‭ ‬وتقود‭ ‬جهود‭ ‬حماية‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬استراتيجيات‭ ‬المناخ‭ ‬العالمية‭. ‬كما‭ ‬تشغل‭ ‬منصب‭ ‬العضو‭ ‬التنفيذي‭ ‬المنتدب‭ ‬لصندوق‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ (‬MBZ‭ ‬Fund‭)‬،‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لدعم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأنواع،‭ ‬حيث‭ ‬موّل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬مشروع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريباً‭. ‬وتشغل‭ ‬المبارك‭ ‬منصب‭ ‬العضو‭ ‬المنتدب‭ ‬لهيئة‭ ‬البيئة‭ – ‬أبوظبي‭ (‬EAD‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬أجندة‭ ‬الاستدامة‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتعزز‭ ‬السياسات‭ ‬البيئية‭ ‬وجهود‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأنواع‭ ‬والعمل‭ ‬المناخي‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬آسيا‭ ‬والعالم‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬خصت‭ ‬به‭ ‬مجلة‭ “‬الحمى‭”‬،‭ ‬تنقل‭ ‬رزان‭ ‬المبارك‭ ‬أفكارها‭ ‬وتجربتها‭ ‬الغنية‭ ‬إلى‭ ‬أنصار‭ ‬البيئة‭ ‬والعاملين‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭.‬

إذا تأمّلتِ سيرتك القيادية في مجال الحفاظ على البيئة، ما هي الأولويات التي وجّهت عملك وما أكثر الإنجازات التي تفخرين بها؟

منذ انطلاقي في مسيرتي المهنية، كان يقيني أن الطبيعة ليست مورداً نستغله، بل أمانة ومسؤولية أخلاقية، وجوهر رفاه الإنسان. أستمد قوتي من صلابة الصحراء ومرونتها، وأضع بصمتي حيث يمكن لصوت الطبيعة أن يُسمع. كما انصبّ تركيزي بشكل خاص على دعم العاملين في الخطوط الأمامية لصون الطبيعة، وخاصة في المناطق الأقل تمثيلاً، ومع الأنواع التي لا يُعرف عنها الا القليل.

من خلال صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية، أثبتنا أن حتى أصغر المنح يمكن أن تصنع أثراً عالمياً، إذ دعمنا ما يقارب 3,000 مشروع في جميع دول العالم. وفي رئاستي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، كان من دواعي فخري أن نُحقق للمرة الأولى اعترافاً كاملاً بدور الطبيعة في الجَرد العالمي (Global Stocktake)  لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وأن نرسخ مكانة الشعوب الأصلية كشركاء أساسيين في صياغة حلول المناخ والتنوع البيولوجي.

هذه ليست إنجازات فحسب، بل خطوات في رحلة أعمق… رحلة نعيد فيها التوازن بين الإنسان والكوكب الذي يحتضنه.

ماذا ستكون أهم أولوياتك للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة إذا أُعيد انتخابك رئيسة، وكيف ستتعاملين مع التحديات التي تواجه التنوع البيولوجي العالمي؟

إن أُعيد انتخابي، فسأجعل من الرؤية الاستراتيجية للاتحاد على مدى عشرين عاماً واقعاً نابضاً بالحياة. رؤيتي أن نتجاوز الأهداف على الورق ونحوّلها إلى أثر ملموس يلمسه الناس، من القرى النائية وقلب المجتمعات المحلية إلى طاولات المفاوضات المتعددة الأطراف.

ستركز فترة رئاستي الثانية على ستة مسارات أساسية: مواءمة العمل مع أجندة 2030 وما بعدها، تعزيز الحوكمة والتعاون، تمكين الأعضاء، تنشيط الحضور الدولي، ضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، وإسماع أصوات كل الثقافات والمناطق، خاصة الأكثر ارتباطاً بالطبيعة.

أؤمن بأن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة يجب أن يبقى نصيراً موثوقاً للطبيعة وصوتاً علمياً راسخاً. فالسنوات العشر القادمة لن تحدد فقط مصير التنوع البيولوجي، بل مصير الإنسان على هذه الأرض.

كيف تنظرين إلى نُهج الحماية القائمة على المجتمع كسبل لتعزيز الاستدامة وربط الطبيعة بالثقافة والتراث؟

قيادة المجتمعات المحلية لجهود حماية البيئة هي المفتاح لصون الطبيعة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتنوع البيولوجي. فالمناطق المحمية تحمل في طياتها التراث والثقافة وسبل العيش، وكلما كانت المجتمعات أكثر انخراطاً في جهود حماية البيئة، تكون النتائج أكثر فعالية وإنصافاً.

تكمن قوة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في أعضائه، وتعكس مبادرات مثل القرار 122، الذي يدعو إلى وقف التعدين في أعماق البحار حتى تتضح المخاطر بشكل كامل، تعبيراً واضحاً عن التزام الاتحاد بدعم نماذج الحماية المحلية والمستنيرة ثقافياً والارتقاء بها. وسواء كانت هذه النماذج تحت إدارة الشعوب الأصلية، أو من خلال شراكات الإدارة المشتركة، أو عبر أشكال أخرى من الحوكمة، فإنها جميعاً توحد بين حماية البيئة وصون كرامة الإنسان، وتعزز المرونة والقدرة على التكيف على المدى البعيد.

كيف يمكن للاتحاد تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لدفع عجلة التنمية المستدامة وتمويل حماية البيئة؟

يلعب القطاع الخاص دوراً حاسماً في حماية التنوع البيولوجي ودعم الاستدامة. يمكن للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أن يسد الفجوة بين العلوم والأعمال، من خلال أدوات موثوقة ومعايير واضحة وفرص تعاون فعّالة. وهناك العديد من المبادرات في هذا السياق، منها على سبيل المثال فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالطبيعة TNFD، الذي أشارك في رئاسته، حيث تساعد هذه المبادرة الشركات لفهم تأثيرها على الطبيعة ومواءمة استثماراتها مع أهداف الحماية. الهدف ليس مجرد تمويل، بل شراكات طويلة الأمد تُوائم بين النشاط الاقتصادي والنزاهة البيئية.

تحدثتِ عن أهمية التنوع في حماية البيئة. كيف تُخططين لضمان سماع وتمثيل أصوات متنوعة داخل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، بما في ذلك أصوات النساء والمجتمعات الأصلية؟

أنا أؤمن بأن التنوع في حماية البيئة يجب أن يكون شاملاً، فلا يقتصر على من يشارك في جهود الحماية، بل يمتد ويشمل من يقود تلك الجهود. وتكمن قوة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في عضويته العالمية الشاملة، التي تضم طيفاً واسعاً من المؤسسات بما في ذلك منظمات الشعوب الأصلية، والمنظمات غير الحكومية النسائية، وشبكات الشباب، والحكومات من كل أنحاء العالم.

بصفتي رئيسة للاتحاد، عملت على تعزيز التمثيل، بدعم قيادة السكان الأصليين، وضمان التوازن بين الجنسين، وتوسيع مشاركة المجتمعات والبلدان التي تشكل الطبيعة جزءاً أساسياً من حياتها اليومية. فالشمولية ليست إضافة، بل أساس الشرعية والفعالية والعدالة في حماية البيئة.

ما هي نصيحتك للشباب المهتمين بمسيرة مهنية في مجال حماية البيئة؟

اتبعوا شغفكم، فلكم القدرة على إحداث الفرق. فحماية البيئة تحتاج كل المهارات الممكنة: العلوم، القانون، السياسة، الاتصالات، التكنولوجيا، وتنظيم المجتمع. مهما كانت خلفيتكم، هناك مكان لكم لتكونوا جزءاً من هذا العمل الحيوي. كونوا فضوليين، مثابرين، وابحثوا عن مرشدين، وتذكروا أن الحماية تشمل الطبيعة، والناس، والعدالة لمستقبل كريم ومستدام لكل الأجيال القادمة.

ما هو مكانك المفضل في الطبيعة، وكيف يُلهمك؟

ستبقى الصحراء دائماً مكاني المفضل، فصمتها واتساعها يضعان كل شيء في نصابه. فهي تُعلّم الصبر، والتواضع، واحترام قدرة الحياة على الصمود.

خلال نشأتي في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعتز وأفتخر بالانتماء إليها، أدركتُ أن الطبيعة ليست محصورة في الغابات الخضراء أو الشعاب المرجانية، بل تمتد لتشمل المساحات القاحلة التي تحمل تنوعاً بيولوجياً فريداً ومعنى ثقافياً عميقاً. الصحراء تلهمني للاستماع بتمعن، للتصرف بتأنٍ، وللاعتراف بمرونة الطبيعة التي لا يُستهان بها.

مجلة الحمى العدد السادس

أصدرت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) العدد السادس من مجلة "الحمى"، والذي يركّز على المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) المزمع عقده في أبوظبي بين 8 و15 تشرين الأول 2025، حيث ستشارك الجمعية في أربع جلسات رئيسية. يتضمّن هذا العدد مقابلة حصرية مع رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، رزان المبارك، التي شدّدت على أهمية مواءمة عمل الاتحاد مع الأجندات العالمية للتنوّع البيولوجي، وتعزيز الحوكمة والاستجابة لاحتياجات الأعضاء، وتفعيل الانخراط المتعدد الأطراف، وضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، ورفع أصوات المجتمعات المتنوعة في مسيرة حماية الطبيعة.

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

جمعية حماية الطبيعة في لبنان تستقبل طلاب WellSpring في...

في إطار رسالتها لتعزيز الوعي البيئي لدى الأجيال الصاعدة، استقبلت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، بالتعاون...

حمى عنجر تحتفي بهجرة الطيور: من الحكاية إلى الحوار

في إطار فعاليات مبادرة ريف، وبالتنسيق مع لجنة البيئة في عنجر وبمشاركة جمعية ABCL، أُقيمت فعالية بيئية...
سولومون بيلي كاهوʻوهالاهالا (العم سول)، رئيس مجلس الاستشارة للملاذ البحري الوطني لحوت المنقار في جزر هاواي، بطقوس غنائية "لتجهيز قارب المحيط بنوايا حسنة".

أبرز أحداث اليوم الثالث من مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ...

في وقت تكافح فيه الآليات المتعددة الأطراف العالمية لدفع التغيير التحويلي المطلوب لحماية الطبيعة، لم تكن الحاجة...