نهر الليطاني، أطول أنهار لبنان، يجري هذه المرة بإيقاع مختلف، يحمل معه أملاً بإمكانية جديدة. فقد عقدت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، برئاسة مديرها العام الدكتور سامي علويّة، اجتماعاً استراتيجياً مع منظمة اليونسكو وجمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL، بهدف التحضير لترشيح الحوض الأدنى من نهر الليطاني كمحمية محيط حيوي معتمدة لدى اليونسكو.
لم يكن هذا الاجتماع مجرّد لقاء تقني، بل محطة مفصلية تشير إلى تحوّل حقيقي في طريقة تعامل لبنان مع إرثه الطبيعي، وكيف ينظر إلى النهر الذي يغذّي حياته وثقافته منذ آلاف السنين.
وجمع الاجتماع شخصيات أساسية، من بينها الدكتور نزار حسن، رئيس قسم العلوم الطبيعية في المكتب الإقليمي لليونسكو، والدكتور جورج غاريوس، المسؤول الوطني لبرنامج العلوم الطبيعية في اليونسكو، إضافة إلى مدير عام SPNL الأستاذ أسعد سرحال، وفريق الجمعية، وراغدة حداد، رئيسة تحرير مجلة الحمى.

نهر يروي حكاية وطن
يمتد الحوض الأدنى لليطاني من البقاع حتى الجنوب، ويحمل بين ضفتيه تاريخاً طبيعياً وثقافياً غنياً. فهو مصدر أساسي للمياه العذبة، وموئل للطيور المهاجرة، ووجهة للزراعة التقليدية، وركن أساس في حياة المجتمعات التي نشأت على أطرافه.
لكن الليطاني حمل أيضاً أعباء التلوث وسوء الإدارة لسنوات طويلة، حتى أصبح رمزاً للأزمة البيئية. اليوم، يسعى هذا المشروع إلى قلب الصفحة، وتحويل الأزمة إلى فرصة، من خلال رؤية علمية وتعاون ثلاثي مبني على الثقة والخبرة.
الطريق نحو اعتراف اليونسكو
شارك في الاجتماع خبراء وممثلون من الجهات الثلاث لمناقشة خريطة الطريق، والبيانات المطلوبة، وطريقة توافق المشروع مع معايير اليونسكو. فمحمية المحيط الحيوي ليست مجرد مساحة محمية، بل نموذج عالمي لكيفية التوازن بين الإنسان والطبيعة.
ناقش المشاركون تفاصيل دقيقة، مثل:
• الأدلة التي تثبت الأهمية البيئية والهيدرولوجية للحوض،
• دور المجتمعات المحلية في تعزيز الحماية،
• وآليات إدارة الموارد الطبيعية بما ينسجم مع التنمية المستدامة.
يحرص خبراء اليونسكو على التأكيد أن ما يميز هذا الحوض هو أنه ليس منطقة بعيدة أو معزولة، بل مساحة يعيش فيها الناس ويتفاعلون يومياً مع الطبيعة. وهذا يجعل المشروع اختباراً حقيقياً لقدرة الإنسان على حماية بيئته دون الإضرار باستقراره الاجتماعي والاقتصادي.

السياحة البيئية، الإرث الثقافي، والتنمية المستدامة
ناقش الاجتماع فرص تطوير السياحة البيئية في المنطقة، إذ يتمتع الحوض الأدنى للّيطاني بمشهد طبيعي متنوع يشمل الأراضي الزراعية، والبلدات التقليدية، والمجاري المائية، والمناطق الرطبة. هذه العناصر تشكل أساساً لبناء وجهة سياحية قائمة على احترام البيئة وإشراك المجتمعات المحلية.
كما تطرق المجتمعون إلى أهمية حماية التراث الثقافي المائي، وإحياء الروابط التاريخية بين الناس والنهر، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية. وعرضت SPNL نموذج الحمى الذي أعادت إحيائه في لبنان، باعتباره إطاراً مثالياً لمشاركة المجتمعات في إدارة الأراضي وحماية التنوع البيولوجي.

التزام مشترك لمستقبل أفضل
مع نهاية الاجتماع، كان الجميع متفقاً على أن حماية الحوض الأدنى لليطاني وترشيحه كمحمية محيط حيوي هو مشروع وطني لا يمكن أن تنفذه جهة واحدة. إنه عمل جماعي، يحتاج إلى التعاون بين المؤسسات الرسمية، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني.
المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، الحريصة على صون أهم مورد مائي في البلاد، واليونسكو، التي تسعى إلى تعزيز التوازن بين الإنسان والطبيعة، وSPNL، التي تبني حلولاً بيئية قائمة على المجتمعات، يشكلون اليوم شراكة حقيقية قادرة على رسم مستقبل جديد للنهر.
فالليطاني لا يزال يجري نحو البحر، لكنه أيضاً يجري نحو فصل جديد، فصل يحمل معه وعداً بالحفاظ على الطبيعة، وصون التراث، ودعم المجتمعات، وفتح صفحة جديدة من الأمل البيئي في لبنان.







