رحلة إلى بشامون: حيث تتنفس الطبيعة وتبتسم القنافذ البرية

في صباح ربيعي دافئ، انطلق حمادة ملاعب، مدير مشروع “دروب الحمى” في جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، في مهمة استطلاعية إلى تلال بشامون في جبل لبنان. هناك، كانت بذور حمى جديدة تُزرَع وتترسخ، واعدةً بحماية ما تبقّى من تنوّعٍ بيولوجي هشّ يرفض أن يندثر.

السماء كانت صافية، والهواء معطّر بعبق الأزهار البرية، وأشعة الشمس الذهبية ترسم نقوشًا على الأرض. على طول الطريق، مرّ ملاعب بمزارع عضوية تُدار بأساليب مستدامة، وهي جزء من نظام الحمى الأوسع الذي يحترم الأرض ويعيد التوازن بين الإنسان والطبيعة.

لكن ما جعل هذه الرحلة لا تُنسى بحق هو لقاؤه مع مخلوق صغير ومذهل.

بين شجيرات الزعرور والصخور المتناثرة، لاحظ ملاعب حركة خفيفة. توقف قليلاً — وإذا به يرى قنفذًا بريًا، أو “قبّع” (الاسم العلمي: Erinaceinae)، يخطو خطواته الحذرة الأولى بعد سباتٍ شتوي طويل. هذه الثدييات الصغيرة تستيقظ في الربيع، لتستأنف تجوالها الليلي بحثًا عن الطعام، والذي يشمل الحشرات والديدان والزواحف والقوارض الصغيرة وبيض الطيور، وحتى بعض النباتات والفواكه.

كان جسد القنفذ مغطّى بأشواك حادة تُعرف محليًا بـ”الحسّك”، تُشكّل درعًا طبيعيًا له. رأسه بلا عنق تقريبًا، بأذنين صغيرتين، وفم ضيق، وأرجل قصيرة. وما إن شعر بوجود ملاعب حتى التفّ على الفور إلى كرة شوكية محكمة للدفاع عن نفسه.

ابتسم ملاعب للمشهد، وانخفض بلطف، ثم مدّ يده إلى حقيبته. أخرج بعض قرون الفول الأخضر الطازج الذي التقطه في وقت سابق من إحدى مزارع الحمى المجاورة. وراح يقدّمه بهدوء، مراقبًا القنفذ وهو يقترب بعد لحظة من السكون، ويأخذ قضمة ممتنّة، ثم يختفي مجددًا بين الأعشاب، وكأنه يعرف تمامًا إلى أين يتجه.

القنافذ، وخصوصًا “القبّع”، معروفة بقدرتها المدهشة على الدفاع عن نفسها في مواجهة الأفاعي والثعابين. فعندما تُهدَّد، تلتف بإحكام وتهاجم ذيل الثعبان بفكّها الخفي، بحيث تُلحِق به الأذى مع كل حركة يقوم بها.

هذا اللقاء كشف عن مدى سحر حمى بشامون: ملاذ حقيقي لطيور الغناء والثدييات والنباتات البرية. فهي ليست مجرد مساحة خضراء، بل قصة حيّة تُروى من خلال الأشجار والنسور والقنافذ.

عاد ملاعب من رحلته حاملاً قناعة متجددة بأن مشروع الحمى هو أكثر من أداة بيئية — إنه دربٌ لإعادة بناء علاقتنا مع الكائنات البرية التي تشاركنا هذا العالم.

في بشامون تبدأ الحكاية… والطبيعة تواصل همسها لمن يُصغي.

مجلة الحمى العدد الخامس

في هذا العدد من مجلة الحمى، ننسج معًا قصصًا ملهمة عن حماية الطبيعة وصمود المجتمعات، مسلطين الضوء على كيف يُعاد ترميم لبنان... حمى تلو الأخرى. تواصل جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) مهمتها في الحفاظ على التراث الطبيعي للبلاد من خلال تمكين المجتمعات المحلية. ومن الركائز الأساسية لهذا الجهد مشروع BioConnect المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي حقق ثلاث سوابق وطنية: أول منتزه طبيعي في لبنان (المتن الأعلى)، وأول منتزه جيولوجي (الشوف – جزين)، وأول حمى وقفية (بتخنيه).

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

Grey-breasted Parakeets © Fábio Nunes / Aquasis

كيف تُشكّل بيردلايف إنترناشونال وبرنامج القيادة في مجال الحفاظ...

في غابات البرازيل الشمالية الشرقية، عاد ببغاء نادر إلى التحليق بعد أن كان مهددًا بالانقراض. وعلى بُعد...
"Aammiq Wetland, one of the last remaining freshwater wetlands in Lebanon, serves as a vital stopover for migratory birds and a haven for biodiversity in the Bekaa Valley." Photo credit:Spyro Klitira

حُماة الطبيعة: كيف تكافح المحميات الطبيعية في بلاد الشام...

في مهد الحضارات القديمة، حيث غيّرت الحروب والثورات والحدود المتقلبة معالم الأرض والتاريخ، تخوض الطبيعة معركتها الخاصة...

فصيلة القلمون توقف صياد بالشباك والدبق ومدعي عام الشمال...

بناءً على شكوى تقدّم بها عدد من الصيادين المستدامين في شمال لبنان إلى وحدة مكافحة الصيد غير...