في عرض قوي للتعاون والحفاظ على البيئة، تم إطلاق عقاب ذهبي مهيب بنجاح مجددًا إلى البرية في محمية الشوف للمحيط الحيوي. وقد قاد هذه الخطوة التاريخية وحدة مكافحة الصيد الجائر، بالتعاون مع وزارة الزراعة اللبنانية، ومحمية الشوف للمحيط الحيوي، وأصحاب المصلحة المحليين.
لم يكن هذا الحدث مجرد إطلاق طائر واحد، بل شكّل لحظة فارقة تمثل فصلًا جديدًا في معركة لبنان ضد الجرائم البيئية، وخطوة ملموسة نحو التزام البلاد بحماية تنوعها البيولوجي الغني والهش في آنٍ واحد.
العقاب، الذي يُعتبر رمزًا للقوة والحرية، تم إنقاذه من أسر غير قانوني في بلدة جل الديب الساحلية. وقد تم احتجازه في انتهاك للقوانين البيئية اللبنانية والاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الحياة البرية، مما أدى إلى معاناته من آثار نفسية وجسدية نتيجة الأسر. وبعد إنقاذه، وُضع العقاب تحت رعاية خبراء الحياة البرية والأطباء البيطريين الذين قدموا له العلاج الطبي وإعادة التأهيل السلوكي لضمان قدرته على البقاء مستقلًا في البرية. وقد خضع لعملية مراقبة دقيقة خلال فترة تعافيه للتأكد من استعادته لقوته وغرائزه الطبيعية، وقدرته على التحليق مجددًا في موطنه الطبيعي.
ما يجعل هذا الإطلاق ذا أهمية خاصة هو أنه يُمثل أول تعاون ميداني ملموس بين وزارة الزراعة وجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) منذ توقيع مذكرة التفاهم بين الطرفين. وتهدف هذه المذكرة إلى تعزيز التعاون في مجالات المراقبة، والتبليغ، ومكافحة الصيد غير القانوني والاتجار بالحياة البرية في لبنان. ومن خلال هذا الاتفاق، توحد جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) والوزارة جهودهما لحماية الأنواع المحلية وتطبيق القوانين البيئية الوطنية بفعالية أكبر.
كما وقّعت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) مذكرة تفاهم مع لجنة مكافحة ذبح الطيور (CABS)، وذلك لتأطير التعاون بين المنظمتين بشكل رسمي.
محميّة الشوف للمحيط الحيوي، حيث تم إطلاق العقاب، تُعد واحدة من أكبر المناطق المحمية وأكثرها تنوعًا بيئيًا في لبنان. وقد تم تصنيفها كمحمية محيط حيوي من قبل اليونسكو، وتضم منطقة الشوف أنظمة بيئية حيوية تدعم تنوعًا واسعًا من النباتات والحيوانات، بما في ذلك الطيور الجارحة مثل العقاب الذهبي. ويجعل الطوبوغرافيا الفريدة للمنطقة وحالة الحماية التي تتمتع بها منها موقعًا مثاليًا لإطلاق الطيور الجوارح، حيث توفر لها الحماية بالإضافة إلى مصدر وفير للغذاء.
قال أدونيس خطيب من جمعية حماية الطبيعة في لبنان: “عودة هذا العقاب الذهبي إلى سماء لبنان ليست مجرد انتصار للحياة البرية، بل هي شهادة على ما يمكن تحقيقه من خلال العمل المنسّق والالتزام العميق بالطبيعة”. وأضاف: “كما أنها دعوة لنا جميعًا للبقاء يقظين، والإبلاغ عن الانتهاكات، ودعم جهود منظمات الحفظ والسلطات التي تعمل على حماية تراثنا الطبيعي”.
ويبعث إطلاق سراح العقاب الذهبي الناجح برسالة أمل. ففي منطقة تواجه العديد من التحديات السياسية والبيئية، تبرز مثل هذه الخطوات أهمية الصمود، والتعاون، والحفاظ المستند إلى العلم. كل حيوان يتم تأهيله وإطلاقه من جديد يمثل رمزًا حيًا لما يمكن تحقيقه عندما يتكاتف الناس لحماية العالم الطبيعي.
في ظل استمرار لبنان في مواجهة ضغوط بيئية متزايدة — من تغيّر المناخ إلى تجزئة المواطن الطبيعية — تصبح مبادرات كهذه بالغة الأهمية. فهي تذكّرنا بأنه على الرغم من التحديات، فإن الاستعادة والتعافي ممكنان. كما تؤكد على أهمية انخراط الجمهور، ومساءلة الحكومة، والدور الحيوي الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في دفع عجلة التقدم البيئي.
فهذا الحدث لا يُعد مجرد مناسبة فردية، بل هو جزء من حركة أوسع تهدف إلى استعادة التوازن البيئي في لبنان، وتعزيز شعور المجتمعات المحلية بملكية جهود الحماية، وإعادة تأكيد قيمة كل كائن حي. من جل الديب إلى جبال الشوف، تمثّل رحلة هذا العقاب الذهبي قصة مؤثرة عن الصمود، والرعاية، وقوة الفرص الثانية.
عن وحدة مكافحة الصيد الجائر
أنشأت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) وحدة مكافحة الصيد الجائر (APU) بالشراكة مع اللجنة الدولية لمكافحة قتل الطيور (CABS) ومركز الصيد المستدام في الشرق الأوسط (MESHC).
تهدف هذه الوحدة إلى مراقبة ومنع الممارسات غير القانونية التي تهدد الطيور والحياة البرية في لبنان. ومن خلال فرق ميدانية مدرّبة، تقوم الوحدة بتنفيذ حملات توعية، ومراقبة مناطق الصيد، والتنسيق مع الجهات الرسمية لتطبيق القوانين البيئية، مما يساهم في حماية الأنواع المهددة بالانقراض واستدامة النظم البيئية.
بدعم من أكثر من 40 متطوعًا وناشطًا بيئيًا، تنفذ الوحدة العديد من المبادرات لمكافحة الصيد الجائر. ويعزز نجاحها الدعم السخي من مؤسسة هانز ويلزدورف، ومشروع BioConnect المموّل من الاتحاد الأوروبي، وشراكتها مع منظمة بيردلايف إنترناشونال.
تعمل الوحدة ضمن تحالف بيئي وطني يضم قوى الأمن الداخلي، والجيش اللبناني التابع لوزارة الدفاع، وحراس الأحراج في وزارة الزراعة، ووزارة البيئة، واتحادات البلديات، والمجالس المحلية، وشرطة البلديات. ويعمل هذا التحالف معًا على تعزيز ممارسات الصيد المستدام، وتطبيق قوانين حماية الحياة البرية، والحفاظ على التنوع البيولوجي الغني في لبنان.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.