«إرث استثنائي»: تحية إلى الدكتورة جَين غودال
بقلم: أسعد سرحال،
المدير العام لجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL – شريك بيردلايف في لبنان)،
حائز جائزة ميدوري للتنوع البيولوجي 2018،
وعضو فخري في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)
ينحني عالم الحفاظ على الطبيعة اليوم حزيناً. برحيل الدكتورة جَين غودال عن عمر 91 عاماً، نفقد ليس فقط عالمة متفرّدة في عبقريتها، بل أيضاً بوصلة أخلاقية لعلاقة الإنسانية بالطبيعة. حياتها وعملها يواصلان إلهامنا – من غابات غومبي إلى المجتمعات في مختلف أنحاء العالم.
تكريم مشترك في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة
في عام 2021، خلال المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في مرسيليا، حظيت بشرف عظيم حين مُنحت عضوية فخرية في الاتحاد، وهي أرفع وسام يقدّمه. في ذلك العام، نالت هذا التكريم أيضاً كل من الدكتورة جَين غودال (المملكة المتحدة)، الزعيم راوني (البرازيل)، والدكتور ريتشارد واتلينغ (فيجي).
وعلى الرغم من أنّ جَين لم تتمكّن من الحضور شخصياً، فإن اسمها خيّم على القاعة بأكملها. لقد ذكّرنا بأن العضوية الفخرية لا تقتصر على الاعتراف بالمنجزات، بل هي احتفاء بحياة أعادت صياغة مفهوم الحفظ. أن يُذكر اسمي إلى جانب جَين غودال كان لحظة تواضع وامتنان عميقة بالنسبة لي.
العالمة التي غيّرت قصة الإنسانية
دخلت جَين غابات غومبي عام 1960 مسلّحة بالصبر والمنظار والرؤية. ما اكتشفته – استخدام الأدوات، التعقيد الاجتماعي، والعمق العاطفي لدى الشمبانزي – غيّر مسار العلم. لقد محَت الخط الذي رسمه الإنسان بينه وبين عالم الحيوان.
ألهبت اكتشافاتها نقاشات حول معنى أن نكون بشراً، وأطلقت حركات جديدة لحقوق الحيوان والحفاظ على الطبيعة. أسرت كتبها وأفلامها الوثائقية الجماهير حول العالم، وجعلت شمبانزي غومبي أسماء مألوفة، وحوّلت جَين غودال إلى أيقونة للرحمة والعلم معاً.
ما بعد العلم: صوت الأمل
ما ميّز جَين حقاً هو رفضها البقاء في برج عاجي للأبحاث. أصبحت مدافعة عالمية، ومعلّمة، ومسافرة لا تعرف الكلل. من خلال برنامج Roots & Shoots، منحت ملايين الشباب القدرة على الاهتمام ببيئتهم ومجتمعاتهم. وحتى في سنواتها المتأخرة، لم تتوقف عن رفع الصوت، مذكّرةً إيانا بأن الأمل ليس تفاؤلاً ساذجاً، بل هو أقوى أداة للتغيير.
مصدر إلهام للبنان والعالم العربي
بوصفي شخصاً كرّس حياته لإحياء نظام الحِمى في لبنان كنهج مجتمعي للحفاظ على الطبيعة، كنت دائماً أرى في عمل جَين دليلاً على أن التقاليد المحلية والعلم العالمي يمكن أن يلتقيا لحماية الإنسان والطبيعة معاً. رسالتها تتردّد بقوة في لبنان والمنطقة العربية، حيث يتعيّن على حماية البيئة أن تتغلّب على الصراعات والإهمال والهشاشة.
وداعاً لزميلة في العضوية الفخرية
اليوم لا أرثي فقط أيقونة عالمية، بل أيضاً زميلة في العضوية الفخرية للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. أن أُكرَّم في الصف نفسه مع جَين غودال هو رباط سأظل أعتز به إلى الأبد. إرثها الاستثنائي يذكّرنا بأن شخصاً واحداً، مسلّحاً بالشجاعة والرحمة، قادر على تغيير العالم.
سيظل نور جَين يتوهج في كل غابة، في كل طفل يزرع شجرة، في كل شمبانزي ما زال يتجوّل حراً، وفي كل مجتمع يحمي أرضه وحياته البرية.
ارقدي بسلام يا جَين. إرثك الاستثنائي سيظل يوجّهنا – في لبنان، وفي العالم العربي، وفي كل ركن من الأرض التي أحببتها بعمق.