في صباحٍ عليل من صباحات جبل لبنان، رافق النائب مارك ضو رئيس بلدية شملان عصام حتي في زيارةٍ مميزة جمعت بين التراث والروحانية وحماية الطبيعة. وكانت الخطوة الأولى في الحديقة البيبلية في حمى شملان، حيث يلتقي الإيمان بالطبيعة. تحيط بهم أشجار الزيتون وكروم العنب وأنواع أخرى من النباتات المذكورة في الكتب المقدسة، لتجعل من الحديقة شاهداً حيّاً على أنّ الروحانية متجذّرة في الأرض منذ الأزل. وبينما كانا يسيران في الممرات المظلّلة، تأمل النائب ورئيس البلدية في كيفية قدرة المناظر الطبيعية على التعبير بلغة الثقافة والبيئة معاً، حاملةً دروساً عبر الأجيال.
وعلى مقربة من هناك، قدّمت الحديقة القرآنية في حمى كيفون منظوراً آخر لهذه العلاقة المقدسة بين الإنسان والطبيعة. هنا تنبض النباتات المذكورة في الآيات القرآنية بالحياة: التين، والتمر، والرمان، والأعشاب العطرية، حيث تحمل كل نبتة رمزاً ثقافياً خاصاً. كشف المسير القصير في الحديقة كيف أنّ الروحانية، حين ترتبط بالعالم الطبيعي، تخلق الجمال والمسؤولية في آن. لقد أصبحت هذه الحدائق بمثابة ملاذات مجتمعية، تجسر التنوّع الديني في لبنان وتبرهن أن القيم المشتركة المتمثّلة في الوصاية واحترام الخلق قادرة على جمع الناس بدلاً من تفريقهم.
بيت حمى لوك هوفمان: مركز للحفاظ على الطبيعة
قادتهما الرحلة في النهاية إلى بيت حمى لوك هوفمان، الذي يحمل اسم عالم الطيور السويسري والفاعل الخيري الراحل الذي ألهم أجيالاً من المدافعين عن البيئة حول العالم. في الداخل، اكتشف النائب ضو ورئيس البلدية حتي قصة جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، الشريك المحلي لـ BirdLife International.
على مدى أكثر من أربعين عاماً، عملت الجمعية بلا كلل على إحياء وتحديث نهج الحمى، وهو نظام تقليدي لإدارة الموارد الطبيعية يعتمد على المجتمعات المحلية في حماية الأرض والمياه والحياة البرية. هذا المفهوم المتجذّر في التراثين العربي والإسلامي يمكّن المجتمعات من إدارة مواردها بطريقة مستدامة توازن بين رفاه الإنسان واستمرار النظام البيئي.
لقد تحوّل بيت الحمى في جبل لبنان إلى ما هو أكثر من متحف أو مكتب؛ إنه فضاء تلتقي فيه الثقافة بالحفاظ على الطبيعة، حيث تحتضن قاعاته ورش عمل وتدريبات شبابية ولقاءات مجتمعية تعيد للناس دورهم كأوصياء على الأرض.
حمى شملان: نموذج للرعاية
من بين المواقع التي تسلّطت عليها الأضواء خلال الزيارة، برزت حمى شملان كنموذج ريادي لتطوّر مفهوم الحمى. تقع في أعالي قضاء عاليه، وتمثّل التزام المجتمع بحماية غاباته وينابيعه وتنوّعه البيولوجي.
في هذا الموقع، يندمج المعرفة التقليدية مع علوم الحفظ الحديثة. عمل أهالي القرية جنباً إلى جنب مع الجمعية لوضع قواعد للرعي المستدام، وحماية موائل الطيور المهاجرة، ورصد التنوع البيولوجي. وغالباً ما يزور أطفال المدارس المحلية الموقع للمشاركة في برامج تربوية بيئية تربطهم بتاريخ أرضهم. بالنسبة لكثيرين، لم تعد شملان مجرد موقع للحفاظ على الطبيعة، بل مدرسة تحت السماء، حيث يتعلّم الجيل الجديد أنّ العناية بالبيئة جزء من هويتهم الثقافية.
استمع النائب ضو ورئيس البلدية حتي إلى شهادات مباشرة عن كيفية مساهمة حمى شملان في استعادة الأراضي المتدهورة، وتخفيف الضغوط على الحياة البرية، وتعزيز شعورٍ متجدد بالفخر بين الأهالي. لتقف شاهداً على أنّ المجتمعات المحلية، متى مُنحت الأدوات والثقة، قادرة على أن تكون الحامي الأفضل لطبيعتها.
حمى كيفون: صلة الوصل بين الإنسان والطبيعة
وبالقدر نفسه من الأهمية، شكّلت حمى كيفون جوهرة أخرى في شبكة المناطق المحمية في جبل لبنان. فهي معروفة بغاباتها الكثيفة من الصنوبر ومناظرها الطبيعية الخلابة، وقد طالما كانت مقصداً لأبناء المنطقة والزوار الباحثين عن الهدوء بعيداً عن ضوضاء المدينة.
من خلال برنامج الحمى الذي تقوده SPNL، أصبحت موارد كيفون الطبيعية تُدار بعناية لتوازن بين الاستخدام البشري والحماية البيئية. تحوّلت المنطقة إلى وجهة مفضلة للسياحة البيئية، حيث تستقبل العائلات والمتنزهين على دروبها ليتعرّفوا على الطيور والنباتات التي تزدهر فيها.
لكن حمى كيفون ليست للترفيه فقط، بل أيضاً للتصدي للتحديات. فمن خلال إشراك السلطات المحلية والأهالي، ضمنت الجمعية أن يحقق الحفاظ على البيئة فوائد ملموسة: من الوقاية من حرائق الغابات عبر المراقبة المجتمعية، إلى خلق مصادر عيش مرتبطة بالسياحة البيئية والاستخدام المستدام للموارد. بالنسبة لسكان كيفون، أصبحت الحمى مشروعاً مشتركاً يعزز ارتباطهم بالأرض ويفتح أمامهم آفاقاً اقتصادية.
الحدائق كجسر
تشكل الحديقة البيبلية والحديقة القرآنية، إلى جانب حمى شملان وحمى كيفون، نسيجاً متكاملاً يروي كيف يمكن للتراث الثقافي والديني المتنوع في لبنان أن يكون أساساً للحفاظ على الطبيعة. وكما أشار النائب ضو خلال الزيارة، فإن هذه المساحات تجسّد رؤية يتعايش فيها الإيمان والهوية والبيئة في انسجام. وأضاف رئيس البلدية حتي أنّ هذه الحدائق والحمى هي شهادات حيّة على إمكانية بناء السلام والتعاون من خلال الطبيعة.
ومن خلال السير بين بساتين الزيتون في الحديقة البيبلية، والمشي على دروب الأعشاب العطرية في الحديقة القرآنية، والاستماع إلى القصص التي يرويها بيت حمى لوك هوفمان، اختبر الزائرون ما دافعت عنه الجمعية لعقود: أنّ حماية الطبيعة ليست مفهوماً مستورداً، بل جزء أصيل من تقاليد لبنان ومناظره الطبيعية.
نظرة إلى المستقبل
في ظل التحديات البيئية المتصاعدة التي يواجهها لبنان، من فقدان المواطن الطبيعية إلى تغيّر المناخ، يزداد عمل الجمعية وشركائها المحليين إلحاحاً. وقد شكّلت زيارة النائب ضو ورئيس البلدية حتي أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية، بل تأكيداً على أهمية دمج الحفاظ على الطبيعة في السياسات والثقافة والحياة اليومية.
تظل حمى شملان وحمى كيفون وحدائق شملان منارات أمل، تذكّرنا بأن المجتمعات، حين تستعيد دورها كأوصياء على تراثها وبيئتها، قادرة على بناء مستقبل resilient قائم على التعاون والاحترام والرعاية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.