لبنان يطلق حمى قرنايل برعاية وزيرة البيئة

برعاية معالي وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين، وبحضور سعادة السفيرة الدكتورة ماريون فيشلت، سفيرة سويسرا في لبنان، أطلقت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) وبلدية قرنايل رسمياً حمى قرنايل، كجزء من أول حديقة طبيعية في لبنان.

يموَّل هذا المشروع من الحكومة السويسرية، وينفَّذ بدعم من شركاء محليين ودوليين، وهو مبادرة رائدة تعيد إحياء نظام “الحمى” التقليدي في لبنان للحفاظ المجتمعي على الطبيعة، مع انسجام كامل مع الأطر العالمية للتنوع البيولوجي وأهداف التنمية المستدامة 2030.

محطة وطنية بارزة في مجال حفظ الطبيعة

ستكون حمى قرنايل ملاذاً للتنوع البيولوجي والطيور المهاجرة والأنظمة البيئية المحلية. كما تُسهم في تعزيز هدف لبنان بحماية أكثر من 30% من أراضيه من خلال مزيج من المحميات الطبيعية التي تحددها الدولة، والحمى المدارة من قبل المجتمعات المحلية، والحدائق الطبيعية.

أسعد سرحال: “الطيور تعبر الحدود بلا جوازات سفر”

شدّد المدير العام لجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) ورئيس بيردلايف في الشرق الأوسط، السيد أسعد سرحال، على الأهمية الرمزية والبيئية للحديقة الطبيعية:

“هذه الحديقة الطبيعية ليست مجرد مساحة محمية؛ إنها رسالة. فالطيور تهاجر آلاف الكيلومترات عبر أوروبا وآسيا وإفريقيا، وتفعل ذلك بلا جوازات سفر ولا حدود. رحلتها تعلّمنا دروساً في السلام والتعايش واحترام الطبيعة. وكما يحتاج المسافرون على الطرقات إلى محطات استراحة، كذلك تحتاج الطيور المهاجرة إلى أماكن آمنة للراحة. ولبنان اليوم يوفّر لها هذه الملاذات.”

كما أشار سرحال إلى الإرث الأوسع الذي يحمله هذا المشروع:

“هذه الحديقة هي ثمرة تعاون بين البلديات ووزارة البيئة وشركائنا السويسريين والمجتمعات المحلية. إنها تبني على تقليد الحِمى العريق الممتد لقرون، حيث تكون المجتمعات قيّمة على أراضيها. واليوم نعيد إحياء تلك الحكمة ونعطيها حياة جديدة في إطار عالمي للتنوع البيولوجي والعمل المناخي.”

ولفت أيضاً إلى مساهمة لبنان في تحقيق الأهداف الدولية:

“مع قرنايل، يضيف لبنان ما يقارب 70 كيلومتراً مربعاً من الأراضي المحمية، مما يقرّبنا أكثر من هدف حماية 30% من الأراضي الوطنية. هذا ليس إنجازاً لبنانياً فحسب، بل مساهمة في الجهود العالمية لحماية الطبيعة.”

أصوات المجتمع والقيادة المحلية

رئيس بلدية قرنايل فيصل الأعور: “البلدية ليست مجرد أوراق وبيروقراطية، بل شريك مع المجتمع والطبيعة”

شدّد رئيس بلدية قرنايل، فيصل الأعور، على الرمزية الخاصة لقريته – “قرن الله” – بما تحمله من جذور ضاربة في التراث، ورؤية متطلعة نحو المستقبل. وأكد أن الحِمى ليست مجرد إرث تاريخي، بل “عهد تداركه الجماعة” ومسؤولية مشتركة.

“البلدية ليست مجرد مؤسسة من الأوراق والبيروقراطية؛ إنها شريك مع المجتمع ومع الطبيعة”، صرّح الأعور.

وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية في لبنان، ونقص المياه، والتحديات المرتبطة بالنزاعات، جدد الأعور تأكيد عزيمة قرنايل:

“نحن لسنا هنا لنطلب مساعدات مالية جاهزة. ما نحتاجه هو الدعم الفني لترجمة رؤيتنا إلى واقع. وإذا توفّر التمويل فسيضيف قيمة، وإذا لم يتوفّر، فإننا كمجتمع مستعدون للمضي قدماً بمواردنا الذاتية.”

كما عرضت البلدية رؤيتها لتحقيق الاستدامة، مرتكزة على إدارة الموارد الطبيعية، وتطوير السياحة البيئية، وتعزيز مشاركة المجتمع المحلي.

دعم دولي قوي

الدعم السويسري: ركيزة أساسية

كان للدعم السويسري، من خلال الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC)، دور محوري في إنجاح هذا المشروع. وأشادت سعادة السفيرة ماريون فيشلت بريادة لبنان البيئية، مشيرة إلى أوجه التشابه مع المناظر الطبيعية في سويسرا:

“إنها مسؤوليتنا الجماعية أن نحمي ونحافظ على التراث الطبيعي للبنان. إن إطلاق حمى قرنايل اليوم يُعد خطوة نحو تحقيق رؤية لبنان لحماية 30% من أراضيه بحلول عام 2030. هذه الحديقة هي نموذج في الحوكمة والعمل المناخي والمشاركة المجتمعية.”

وأكدت فيشلت أن تحقيق هذه الرؤية يتطلّب إرادة سياسية، ومؤسسات قوية، ومشاركة فاعلة من القاعدة الشعبية، مشددة على أن إطلاق حمى قرنايل يرتبط مباشرةً ببناء القدرة على التكيّف مع تغيّر المناخ وتعزيز المسؤولية الوطنية.

جمعية AFDC: ثلاثون عاماً من الريادة في حماية البيئة

وخلال تمثيله لجمعية الثروة الحرجية والتنمية (AFDC)، شدّد رئيسها السيد أمين الحلبي على الأهمية البيئية لقرنايل ومنطقة المتن الأعلى بشكل عام:

“على مدى ثلاثين عاماً، عملت AFDC على قضايا بيئية محورية – مكافحة حرائق الغابات، إعادة التشجير، السياحة البيئية، التثقيف البيئي، وتمكين المرأة. لكننا اليوم نواجه تهديدات متصاعدة: تغيّر المناخ، الجفاف، تقلّص المساحات الخضراء، وغياب الحوافز للعاملين في الغابات والمناطق الريفية. هذه التحديات تهدد مواردنا الطبيعية وتزيد المخاطر على الأجيال القادمة.”

وجدد الحلبي التزام الجمعية بدمج نموذج الحِمى في الحديقة الطبيعية للمتن الأعلى كإطار شامل للتنمية المستدامة:

“من خلال الشراكات مع البلديات، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المحلية، نهدف إلى ضمان أن تصبح هذه الحديقة ليس فقط قصة نجاح في مجال الحماية، بل أيضاً محركاً للصمود والازدهار.”

الوزيرة الدكتورة تمارا الزين: الانسجام بين الإنسان والطبيعة

في كلمتها الرئيسية، استحضرت وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين سنوات خبرتها في الخارج بين باريس وبازل، متأملة الانسجام الذي شاهدته هناك بين الإنسان والطبيعة:

“يجب ألا نتعامل مع الطبيعة ككيان منفصل عن المجتمع الإنساني، ولا مع الإنسانية ككيان منفصل عن الطبيعة. التحدي الحقيقي أمامنا هو ضمان الانسجام بين الاثنين. إن غرس شجرة، أو حماية غابة، أو إنشاء حديقة طبيعية ليس مجرد عمل بيئي، بل هو أيضاً أساس للرفاه الاجتماعي والثقافي.”

وشددت الوزيرة على تقليد لبنان العريق في نظام الحِمى، وعلى الحاجة الملحّة للتصدي للصيد الجائر، وأهمية تحديث الأطر القانونية. كما جددت تأكيد التزام لبنان بالهدف العالمي لحماية 30% من التنوع البيولوجي بحلول عام 2030، مشيرة إلى أن حماية البيئة هي في آنٍ واحد حق وضرورة.


الاحتفاء بالتراث الطبيعي للبنان

اختُتم حفل الافتتاح بإطلاق رمزي للطيور المهاجرة والنسور، في دلالة على السلام والتعايش العابر للحدود.

  • فطور جماعي تكريمي لحماة الطبيعة المحليين

    تضمّن الافتتاح فطوراً مجتمعياً احتفالياً تكريماً للحماة المحليين للطبيعة، أعقبه عرض قدّمته جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) وشركاؤها حول السياحة البيئية، الطاقة المتجددة، والتخطيط المستدام.


    عروض تقنية ورؤى علمية

    كما شهد الحدث عرضاً تقنياً قدّمته فاطمة حايك، مديرة المشاريع في SPNL، وبلال العلاوي، اختصاصي الاستشعار عن بُعد، حيث استعرضا الأساس العلمي للمبادرة. وباستخدام تقنيات متطورة في الخرائط والاستشعار عن بُعد، عرضا الأهمية البيئية لقرنايل ومنطقة المتن الأعلى، مسلطين الضوء على التنوع البيولوجي، الغطاء الحرجي، وديناميات استخدام الأراضي. وأكدا أن الجمع بين البيانات العلمية ومشاركة المجتمع يمكّن من تطوير نموذج الحِمى إلى إطار حديث للحماية مبني على الأدلة والمعطيات.


    نموذج للعالم العربي

    مع قرنايل كنقطة انطلاق، يحتضن لبنان اليوم أول حديقة طبيعية في العالم العربي. فمن خلال الدمج بين تقليد الحِمى العريق والعلم الحديث، وتمكين المجتمعات المحلية، يشكّل هذا المشروع نموذجاً للتنمية المستدامة في لبنان والمنطقة بأسرها.

    “بالنسبة لنا، الحِمى ليست عبئاً بل فرصة – هدية لأطفالنا وأحفادنا. نحن فخورون بحمل هذه التجربة ومشاركتها مع الآخرين. أهلاً بكم في قرنايل، بيتكم الثاني.”

مجلة الحمى العدد السادس

أصدرت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) العدد السادس من مجلة "الحمى"، والذي يركّز على المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) المزمع عقده في أبوظبي بين 8 و15 تشرين الأول 2025، حيث ستشارك الجمعية في أربع جلسات رئيسية. يتضمّن هذا العدد مقابلة حصرية مع رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، رزان المبارك، التي شدّدت على أهمية مواءمة عمل الاتحاد مع الأجندات العالمية للتنوّع البيولوجي، وتعزيز الحوكمة والاستجابة لاحتياجات الأعضاء، وتفعيل الانخراط المتعدد الأطراف، وضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، ورفع أصوات المجتمعات المتنوعة في مسيرة حماية الطبيعة.

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

نهج الحمى في مؤتمر القاهرة: ربط وسائل الإعلام بالعمل...

تم تسليط الضوء على نهج الحمى في المنتدى المتوسطي حول البيئة والعمل المناخي المنعقد في القاهرة، بتنظيم...

جمعية حماية الطبيعة في لبنان تهنئ رزان المبارك بإعادة...

أسعد سرحال: "تجديد الثقة برزان المبارك هو انتصار للوحدة والعلم والأمل من أجل الطبيعة والإنسان." بيروت، في 16...

جمعية حماية الطبيعة في لبنان تبحث مع الاتحاد الدولي...

على هامش مؤتمر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) العالمي للحفاظ على الطبيعة المنعقد في أبوظبي، التقت بعثة...