اتخذ لبنان خطوة متقدمة في توثيق وحماية تراثه الطبيعي عبر إطلاق أول خريطة وطنية للتنوع البيولوجي النباتي والمناطق المحمية. تدمج هذه الخريطة بين المناطق المهمة للتنوع البيولوجي (KBAs)، مواقع الحمى، المحميات الطبيعية، وأنماط توزيع الأنواع النباتية، لتشكل أداة غير مسبوقة في متناول العلماء والباحثين وصنّاع القرار.
أعدّ الخريطة بلال علوية، الخبير في الاستشعار عن بُعد، بالاستناد إلى بيانات مكانية تغطي 19 منطقة مهمة للتنوع البيولوجي بمساحة 3,561 كم²، تضم 671 قرية ويقطنها أكثر من 1.2 مليون نسمة. وتُعدّ الخريطة بمثابة بوابة بصرية لثراء لبنان البيئي، حيث تربط بين تنوّع الأنواع والأنهار والينابيع والمناطق المحمية.
أطلس حيّ للتنوع البيولوجي
تُظهر الخريطة كيف يتقاطع التنوع النباتي مع شبكة الحمى والمحميات الطبيعية، مما يعزز قيمة جهود الحماية التي تجمع بين العمل المجتمعي والإدارة الرسمية. فمن غابات الأرز والعرعر في إهدن وبشري والعرسال والجبال الشرقية، إلى فسيفساء السنديان والفستق البري والقيقب في الشوف وصنين، وصولاً إلى الأشجار النهرية مثل الدلب واللغة السورية على ضفاف الليطاني والدامور، تعكس الخريطة هوية لبنان البيئية بتفاصيل دقيقة.
ومن خلال إبراز توزيع أنواع مثل الأرز اللبناني، العرعر، القيقب السوري، واللغة السورية، تبيّن الخريطة بوضوح أين تبرز الحاجة الملحّة للتدخلات الحفظية، وأين ينبغي أن يتعايش الإنسان مع الطبيعة.
أداة استراتيجية للحماية
تتجاوز هذه الخريطة الوطنية كونها منتجًا علميًا لتصبح أداة استراتيجية للحفاظ على الطبيعة، إذ تساهم في:
-
توجيه التخطيط العمراني ومشاريع استعادة الأنظمة البيئية.
-
تعزيز دمج الحمى والمحميات الطبيعية في النظام الوطني للمناطق المحمية.
-
توفير قاعدة بيانات أساسية لمساهمة لبنان في الإطار العالمي للتنوع البيولوجي 30×30.
-
تمكين المجتمعات والبلديات من الاستفادة من البيانات لحماية مناظرها الطبيعية بشكل أفضل.
نحو الأمام: رسم خريطة هجرة الفراشات
وبالاستناد إلى هذا الإنجاز، بدأ العمل على إعداد خريطة وطنية للفراشات من المتوقع إنجازها مع نهاية هذا الشهر. ستقوم هذه الخريطة برصد نقاط الهجرة، الجداول الزمنية الموسمية، والموائل الخاصة بكل موقع، باستخدام تحليلات مكانية دقيقة. وتكتسب هذه الخطوة أهمية خاصة نظرًا لكون الفراشات مؤشرات رئيسية لصحة النظم البيئية.
إن خريطة النباتات والتنوع البيولوجي تمثل علامة فارقة في مسيرة لبنان نحو حماية قلبه الأخضر. فهي من خلال ربط الأنواع والموائل والمجتمعات، توفر مخططًا يحفظ الطبيعة للأجيال القادمة.