في أعماق غابات لبنان العتيقة، وتحديدًا داخل محمية أرز الشوف، انطلقت اليوم طائرتا بوم طويلتا الأذن إلى سماء الحرية، بأجنحة صامتة وعيون مترقّبة، حامِلتين معهما رسالة أمل في وجه التهديدات التي تواجه الحياة البرية في البلاد، وشهادة حية على الجهود المتواصلة لوحدة مكافحة الصيد الجائر APU.
تأتي هذه الخطوة في إطار الشراكة المستمرة بين وحدة APU ومحمية أرز الشوف، بعد النجاح اللافت الذي حققته الوحدة مؤخرًا بإطلاق وحماية العقاب الذهبي، لتؤكد اليوم التزامها المتجدد بحماية الطيور والحياة البرية في لبنان.
قصة تبدأ بمصادفة مؤثرة
قبل نحو شهرين، عثر أحد الصيادين المستدامين على ثلاثة طيور صغيرة داخل عش للحمام في إحدى المناطق الريفية. راقب المكان لأيام، لكنه لم يُشاهد الأم، ما جعله يُرجّح تعرّضها لإطلاق نار من أحد الصيادين المخالفين. وبروح المسؤولية، سلّم الطيور إلى وحدة APU على أمل إنقاذها.
“كان السباق مع الوقت لإنقاذها”، يروي أحد أعضاء فريق إعادة التأهيل. وبالفعل، وعلى الرغم من فقدان أحد الطيور بسبب تدهور حالته الصحية، استطاع الفريق إنقاذ الطيرين الآخرين، حيث خضعا لبرنامج رعاية وتأهيل متخصص أعادهما تدريجيًا إلى قوتهما الطبيعية.
التحليق من جديد… رسالة أمل
وجرى إطلاق البومين في زاوية هادئة من المحمية، بعيدًا عن الأنظار والضوضاء، بإشراف خبراء فريق المحمية ووحدة APU. ويُعد هذا الحدث أكثر من مجرد إطلاق طيور؛ بل هو رسالة أمل ومؤشر واضح على أهمية التعاون بين الأفراد والمجتمع المدني والجهات المختصة لحماية الحياة البرية.
تلعب طيور البوم، وخصوصًا بوم طويل الأذن، دورًا أساسيًا في التوازن البيئي، إذ تساهم في السيطرة على أعداد القوارض والحفاظ على صحة الغابات، ما يجعل وجودها ضروريًا لحماية النظام البيئي في لبنان.
دعوة مفتوحة لحماية الطبيعة
ورغم التحديات الكبيرة التي تُواجه الحياة البرية في لبنان، من تدمير المواطن الطبيعية إلى الصيد غير القانوني، تُثبت هذه المبادرات أن الأمل ما زال قائمًا، وأن تعاون الأفراد مع المؤسسات قادر على صنع الفارق.
وفي لحظة غروب الشمس خلف جبال الشوف، يُمكن سماع خفقات أجنحة البوم وهي تشق طريقها في صمت عبر الهواء البارد، حاملةً معها رسالة الطبيعة الصامتة، وحقيقة لا جدال فيها: حماية البرية مسؤولية مشتركة، تبدأ بخطوات صغيرة لكنها تصنع الفرق.