في صباحٍ دافئ من شهر أيلول، وفي قلب محمية عميق الرطبة – آخر المستنقعات العذبة المتبقية في لبنان – التقط مصوّر الحياة البرية وراصد الطيور في جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) شادي سعد ثلاث لقطات نادرة لطيور الخرشنة: الخرشنة ذات المنقار الغليظ، والخرشنة بيضاء الجناحين، والخرشنة المخططة اللحية.
تجسّد هذه الصور جوهر ما تقدّمه عميق في بدايات الخريف: مشهدٌ حيّ للهجرة يتحوّل إلى صفٍّ طبيعيٍّ مفتوحٍ للتعلّم.
ملتقى على طريق الهجرة
تتربّع عميق في البقاع الغربي، على واحدٍ من أهم ممرّات الهجرة في العالم.
حيث تتشابك القصب والمسطّحات المائية والمروج المغمورة لتوفّر للطيور المهاجرة كل ما تحتاجه من ماءٍ هادئٍ وغذاءٍ وفُسحةٍ للراحة.
وقد تمّ تسجيل أكثر من 250 نوعًا من الطيور في هذا الموقع، الذي يُعترف به دوليًا كموقعٍ مهم للطيور (IBA) وموقع رامسار للأراضي الرطبة.
المشاهدات
الخرشنة ذات المنقار الغليظ (Gelochelidon nilotica)
تتميّز عن غيرها من الخرشَنات ببنيةٍ أثقل ومنقارٍ غليظٍ داكن اللون يساعدها على التنقّل بين أساليب صيدٍ متعددة.
فهي لا تغوص لاصطياد فرائسها مثل أقاربها، بل تحلّق فوق الحقول وأطراف المستنقعات لاصطياد الحشرات أو التقاط الفرائس الصغيرة من السطح.
لذلك تُشكّل فسيفساء عميق من المياه والزراعة بيئةً مثاليةً لها خلال مرورها.
تتمتّع هذه الأنواع بمدى انتشارٍ عالميٍّ واسع، ويُصنَّف وضعها وفق الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) في خانة غير المهددة بالانقراض (Least Concern)، إذ تمتدّ تجمعاتها الرئيسة في أوروبا وإفريقيا وآسيا.
لماذا أيلول في عميق؟
بعد موسم التكاثر، تتوزّع هذه الطيور على نطاقٍ واسع، وتلجأ إلى الأراضي الرطبة على طول شرق المتوسط للتزوّد بالغذاء – تمامًا كما تُظهر عدسة شادي.
الخرشنة بيضاء الجناحين (Chlidonias leucopterus)
لوحةٌ متحرّكة بين السواد والبياض في موسم التكاثر والرمادي الفاتح في موسم الهجرة.
تحلّق برشاقة فوق المياه الضحلة، تلتقط الحشرات والأسماك الصغيرة في مشهدٍ كلاسيكيٍّ لخرشنة المستنقعات.
يُصنّفها موقع BirdLife International في فئة غير المهددة بالانقراض، إذ تمتد هجرتها بين المناطق القطبية القديمة (Palearctic) وإفريقيا الاستوائية.
أهمية رصدها في عميق:
يُصادف مطلع أيلول ذروة حركة الهجرة جنوبًا، وغالبًا ما تُحلّق أسرابها المختلطة منخفضةً فوق القصب بعد مرور الجبهات الهوائية – وهي اللحظات التي تُخلّدها عدسة المصوّر الصبور.
الخرشنة المخططة اللحية (Chlidonias hybrida)
تُفضّل هذه الخرشنة، الأثقل بنيةً من البيضاء الجناحين، الأحواض الواسعة المحاطة بالقصب والمروج المغمورة.
تغدو في بحثٍ دائمٍ عن الحشرات فوق سطح الماء، وقد تُلامس الماء بخفةٍ أثناء طيرانها.
يُدرجها الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أيضًا ضمن الأنواع غير المهددة بالانقراض، وتُعدّ من الطيور الأوروبية والآسيوية الغربية التي تستخدم الأراضي الرطبة في شرق المتوسط كمحطّاتٍ للراحة في طريقها إلى إفريقيا.
ملامح ميدانية سريعة:
في أواخر الصيف وبداية الخريف، تُرى بغطاءٍ داكن على الرأس مع لطخةٍ رمادية عند الأذن وريشٍ رماديٍّ ناعم على الظهر، وغالبًا ما تتجمّع فوق البرك الضحلة لعميق.
العين خلف العدسة: شادي سعد
شادي ليس مجرد مصوّر، بل راوٍ للطبيعة ومدير مرصد حِمى حمّانا للطيور الجارحة التابع لـ SPNL، حيث يلتقي التعليم والمجتمع والحفاظ على البيئة.
توثّق أعماله في SPNL حياة لبنان البرّية وتدمج بين الحكاية الشعبية والملاحظة العلمية، لتُعيد الحياة إلى الأماكن الهادئة والأنواع الخجولة.
🌿 قوة عميق الهادئة
تتجسّد أهمية عميق في تفاصيلها الصغيرة: كل سربٍ خريفيٍّ، وكل خفقة جناحٍ فوق القصب، تؤكد لماذا يُعدّ الحفاظ على آخر المستنقعات العذبة في لبنان مسألة حياةٍ للطيور المهاجرة، وللناس الذين يتعلّمون كيف يحتفون بتلك المسارات ويحرسونها.
🔍 معلومات سريعة (من BirdLife Data Zone)
-
الخرشنة ذات المنقار الغليظ: انتشار عالمي واسع؛ تتغذّى في المستنقعات والحقول؛ طائرٌ مرن في الصيد الجوي؛ غير مهدد بالانقراض. BirdLife DataZone
-
الخرشنة بيضاء الجناحين: تتكاثر في أوروبا وآسيا وتشتو في إفريقيا؛ تفضّل الأراضي الرطبة الضحلة؛ غير مهددة بالانقراض.BirdLife DataZone
-
الخرشنة المخططة اللحية: طائرٌ استعماريٌّ في موسم التكاثر، مرتبط بالمستنقعات طوال العام؛ يستخدم الأراضي الرطبة في شرق المتوسط كممرٍّ للهجرة؛ غير مهدد بالانقراض. Birdife DataZone
-
محمية عميق الرطبة: أكبر مستنقعٍ عذبٍ طبيعي في لبنان؛ موقع مهم للطيور (IBA) وموقع رامسار؛ أُحصي فيها أكثر من 250 نوعًا من الطيور.BirdLife DataZone
الصور بعدسة شادي سعد / جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.