الوليمة الروحانية للّقلق الأبيض في حمى عنجر

بقلم بسام القنطار
مدير قسم استراتيجيات الحملات والاتصال
جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)

بينما كانت الشاحنة تتراجع عبر الحقول المحروثة في حمى عنجر، تكشّف معجزة صامتة خلفها. الأرض، التي تم حرثها حديثًا وتنفست من جديد، لم تطلق فقط عبير التراب، بل سمفونية من الحياة كانت مخبأة تحت السطح مباشرة. وهناك، وسط التربة المضطربة والحشرات المتناثرة، حطّ لقلق أبيض وحيد—رشيق، فضولي، وكأنه منجذب ليس فقط بدافع الغريزة، بل بشيء أعمق.

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

هذه اللحظة الحميمة—التي التقطتها عدسة مصوّر الطيور الشهير تسولاغ هيرجيليان—تكشف ما هو أكثر من مجرد طقس تغذية. إنها مشهد مفعم بالرمزية والروح، وشهادة على الترابط العميق بين إيقاعات الطبيعة والتقاليد الخالدة لرعاية الحمى في سهل البقاع.

لحظة معلّقة بين الطيران والشعور

تُظهر الصورة، التي باتت تتداولها أوساط المهتمين بالحياة البرية ووسائل التواصل الاجتماعي، اللقلق الأبيض في حركة وسطية: منقاره غائر في التربة الرطبة، وجناحاه مرفوعان نصف رفعة في رقصة من التوازن والرشاقة. يلتصق الطين بساقيه. ونظراته مركّزة، مشحونة—ليست فقط على الفريسة، بل على الهدف.

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

“لم يكن الأمر مجرد لقلق يتغذى”، يقول تسولاغ، الذي أصبحت صفحته على إنستغرام بمثابة يوميات بصرية لحياة الطيور في عنجر. “كان وكأنه يتغذى من روح الأرض نفسها. كان في حركته شيء يكاد يكون مقدسًا، كما لو أنه يقرّ بكرم الأرض.”

تسولاغ، الذي يدير صفحتي التصوير @macrobirds و @shutterplow، يوثّق حياة الطيور في منطقة عنجر منذ سنوات. لكن هذه اللحظة كانت مختلفة. “رأيت لقالق تتغذى من قبل، لكن ليس بهذا الشكل. التربة المقلوبة حديثًا أطلقت الحياة من الأعماق—ووصل اللقلق على الفور تقريبًا، وكأنه استجاب لنداء ذاكرة قديمة.”

حيث تلتقي الزراعة بالحفاظ على الطبيعة

حمى عنجر ليست أرضًا زراعية عادية. إنها فسيفساء من الحفظ البيئي والثقافة، حيث تتناغم الممارسات الزراعية التقليدية مع حماية البيئة. هنا، لا يُعدّ الحرث مجرد فعل زراعي، بل هو جزء من عهد حيّ بين الإنسان والطبيعة.

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

عندما عبرت الشاحنة الحقل في ذلك الصباح، لم تكن تُدمّر؛ بل كانت توقظ. تحركت الديدان واليرقات والحشرات من سباتها تحت الأرض. استجاب اللقلق—ليس بعجلة، بل بخشوع.

اللقلق الأبيض طائر مهاجر معروف برحلاته الطويلة وحضوره الرمزي في مختلف الثقافات. في عنجر، ليس مجرد زائر—بل هو رمز. وصوله السنوي يمثل الأمل والخصوبة والحكمة الدورية للطبيعة. بالنسبة للأهالي، رؤية اللقلق يتغذى بعد حرث الأرض كأنها شهادة على أن الأرض بدأت تتنفس من جديد.

العيون التي ترى وتُشارك

صور تسولاغ ليست جميلة فحسب؛ بل هي دعوات للتأمل والتأنّي. غالبًا ما يقرن منشوراته على إنستغرام بتعليقات شعرية، تجذب المتابعين إلى دراما الطيور الخفية—لحظات من التزاوج، والطيران، والسكون، والبقاء.

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
ChatGPT said:

«أحاول أن أُظهر ليس فقط الطائر، بل القصة التي تقف خلفه»، يشرح قائلاً. «ما الذي جلبه إلى هنا؟ ماذا يمنحه هذا المشهد الطبيعي؟ وماذا يعيد هو بدوره من خلال وجوده؟»

صورة اللقلق الأبيض وهو يتغذى على التربة المقلوبة حديثاً أصبحت الآن من بين أكثر صوره تداولاً، إذ لامست مشاعر عشاق الطبيعة، والناشطين في حماية البيئة، ورواة القصص على حد سواء.

قصة لا تزال تُروى

في حمى عنجر، تستريح الأرض للحظة قبل أن تبدأ فصلها التالي. اللقلق مضى في طريقه، ربما إلى حقل آخر، أو إلى أرض تغذية جديدة. لكن الأثر لا يزال قائماً—ليس فقط في التربة، بل في قلوب أولئك الذين شاهدوا الصورة، والذين شعروا فيها بشيء قديم وعاجل.

ومع استمرار تداول صور تسولاك، تمتد قصة ذلك الصباح إلى ما هو أبعد—لتذكرنا بأنه حتى في لحظة طائر يتغذى، تنبض النُظُم البيئية بأكملها، والتواريخ، والمشاعر بالحياة.

لأنه أحياناً، لا يأكل اللقلق الأبيض من التربة فقط. بل يأكل من الروح.

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

Photo Credit : ​Tsolag Hergelian
Photo Credit : ​Tsolag Hergelian

مجلة الحمى العدد الخامس

في هذا العدد من مجلة الحمى، ننسج معًا قصصًا ملهمة عن حماية الطبيعة وصمود المجتمعات، مسلطين الضوء على كيف يُعاد ترميم لبنان... حمى تلو الأخرى. تواصل جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) مهمتها في الحفاظ على التراث الطبيعي للبلاد من خلال تمكين المجتمعات المحلية. ومن الركائز الأساسية لهذا الجهد مشروع BioConnect المموّل من الاتحاد الأوروبي، والذي حقق ثلاث سوابق وطنية: أول منتزه طبيعي في لبنان (المتن الأعلى)، وأول منتزه جيولوجي (الشوف – جزين)، وأول حمى وقفية (بتخنيه).

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

جمعية حماية الطبيعة في لبنان تشيد بمجلة ناشيونال جيوغرافيك...

تُثني جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) على الدور الريادي الذي تلعبه مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية في...

الطبيعة تنادينا… والحمى تجيب: لبنان يحتفي بالتنوع البيولوجي ويحمي...

بمناسبة اليوم العالمي للنحل واليوم الدولي للتنوع البيولوجي، تؤكد جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) على التزامها...

“غرين هيلز” وSPNL تنظّمان رحلة بيئية تعليمية إلى حمى...

في إطار التزامها المستمر بتعزيز التعليم القائم على الطبيعة والحفاظ المجتمعي، نظّمت جمعية حماية الطبيعة في لبنان...