دماء في السماء: الطيور المهاجرة تحت نيران الصيد الجائر في لبنان

يقع لبنان في قلب أحد أهم مسارات هجرة الطيور في العالم، مسار شرق المتوسط، حيث تعبر سماءه كل ربيع وخريف مئات الأنواع في رحلتها بين أوراسيا وإفريقيا. غير أنّ هذا الموقع الاستثنائي تحوّل، للأسف، إلى نقطة قتل جماعي للطيور المهاجرة، بدل أن يكون ممراً آمناً لها.

وفقاً لمقال تحليلي للصحافي جوناثان كول نشره Badil – The Alternative Policy Institute، يُقدَّر عدد الطيور المهاجرة التي تُقتل بشكل غير قانوني في لبنان بنحو 2.6 مليون طائر سنوياً، ما يضع البلاد في المرتبة الرابعة بين دول حوض المتوسط من حيث حجم الصيد غير المشروع، رغم صِغر مساحتها مقارنة بدول أخرى.

المصدر: “Blood in the Sky: Lebanon’s Slaughter of Migratory Birds”، 27 كانون الأول 2025

عنق زجاجة قاتل

يشكّل شمال لبنان، لا سيما خط الكورة، زغرتا، الضنية، المنية، عكار، عنق زجاجة جغرافياً لمسار الهجرة، حيث تُجبر الرياح القوية الطيور على التحليق على ارتفاعات منخفضة. هذا الواقع يجعلها هدفاً سهلاً للصيد الجائر، إذ تُطلق النار عليها أو تُنصب لها الشباك والفخاخ بأعداد هائلة.

وتشمل الأنواع المتضررة اللقالق، البجع، النسور، الصقور، الكراكي، الحدآت، والطيور الجارحة الأخرى. وبينما يُصاد جزء محدود منها لأغراض غذائية، يؤكد خبراء حماية الطبيعة أن الغالبية تُقتل بدافع التباهي أو “الرياضة”، مع تداول صور ومقاطع مصوّرة للمجازر على وسائل التواصل الاجتماعي.

التزامات دولية، وتنفيذ محدود

لبنان دولة موقّعة على اتفاقية حفظ الأنواع المهاجرة، وقد تعهّد ضمن الخطة الاستراتيجية لروما 2020–2030 بخفض معدلات القتل غير المشروع للطيور المهاجرة إلى النصف بحلول نهاية العقد. إلا أنّ المقال يشير إلى فجوة واسعة بين هذه الالتزامات والواقع الميداني، نتيجة عقود من ضعف الرقابة، وتراخي تطبيق القوانين.

في هذا السياق، لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً محورياً في سدّ هذا الفراغ، وفي طليعتها جمعية حماية الطبيعة في لبنان، إلى جانب شركائها، من خلال التوعية، والرصد الميداني، وتفعيل وحدات مكافحة الصيد الجائر، والعمل مع الصيادين المسؤولين.

خطوات حكومية، لكن غير كافية

في منتصف عام 2025، أعلنت الحكومة عن تعيين 106 حرّاس جدد للغابات والصيد والثروة السمكية، ومنحهم صلاحيات الضابطة العدلية. ورغم أهمية هذه الخطوة، يرى العاملون في الميدان أنّها لا تزال غير كافية مقارنة بحجم الظاهرة، وعدد الصيادين المنتشرين في مختلف المناطق.

كما أن الغرامات المفروضة على الصيد غير المشروع، والمحددة قبل الأزمة الاقتصادية، فقدت أي قيمة ردعية بفعل التضخم، ما يعزّز الدعوات إلى تشديد العقوبات، ومصادرة الأسلحة، واعتبار الصيد الجائر واسع النطاق جريمة يعاقب عليها القانون.

اختبار للحوكمة البيئية

مع اقتراب مواسم الهجرة المقبلة، تبقى الطيور المهاجرة أمام خطر حقيقي في سماء لبنان. ويخلص المقال إلى أنّ حماية هذه الأنواع ليست مسألة بيئية فحسب، بل هي اختبار جدي لمدى التزام الدولة والمجتمع بحماية التراث الطبيعي، وتطبيق القانون، وتغيير السلوكيات السائدة.

بالنسبة إلى جمعية حماية الطبيعة في لبنان، يبقى الرهان على العمل المشترك بين الدولة، والمجتمع المحلي، والصيادين المسؤولين، والداعمين الدوليين، لضمان أن تبقى سماء لبنان ممراً للحياة، لا ساحة مفتوحة للقتل.

مجلة الحمى العدد السادس

أصدرت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) العدد السادس من مجلة "الحمى"، والذي يركّز على المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) المزمع عقده في أبوظبي بين 8 و15 تشرين الأول 2025، حيث ستشارك الجمعية في أربع جلسات رئيسية. يتضمّن هذا العدد مقابلة حصرية مع رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، رزان المبارك، التي شدّدت على أهمية مواءمة عمل الاتحاد مع الأجندات العالمية للتنوّع البيولوجي، وتعزيز الحوكمة والاستجابة لاحتياجات الأعضاء، وتفعيل الانخراط المتعدد الأطراف، وضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، ورفع أصوات المجتمعات المتنوعة في مسيرة حماية الطبيعة.

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

جمعية حماية الطبيعة في لبنان تشارك في حفل تكريمي...

بدعوة كريمة من جمعية راشيا أند بيوند، شاركت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) في الحفل التكريمي...

الحِمى: من ذاكرة الحرف إلى الحوكمة البيئية المعاصرة

اربعة الاف من إدارة الموارد الطبيعية الكاتب بلال علوية إنَّ الحِمى ليس اختراعًا طارئًا أو ممارسةً تاريخيةً معزولة، بل...

من التوعية إلى الشراكة، كيف تتحوّل مكافحة الصيد الجائر...

في قلب البقاع الشمالي، حيث تتقاطع الطبيعة مع نمط عيش المجتمعات المحلية، احتضن اتحاد بلديات دير الأحمر...