من التوعية إلى الشراكة، كيف تتحوّل مكافحة الصيد الجائر إلى مسؤولية جماعية في دير الأحمر

في قلب البقاع الشمالي، حيث تتقاطع الطبيعة مع نمط عيش المجتمعات المحلية، احتضن اتحاد بلديات دير الأحمر جلسة توعوية وتبادلية متقدمة حول مكافحة الصيد الجائر، نظمتها وحدة مكافحة الصيد الجائر APU، في محطة جديدة تؤكد أن حماية التنوع البيولوجي في لبنان تبدأ من الميدان، ومن التعاون المباشر بين الصيادين، والشرطة البلدية، والجهات البيئية المتخصصة.

الجلسة التي جمعت عناصر من شرطة اتحاد بلديات دير الأحمر وأكثر من 15 صياداً من أبناء المنطقة، لم تكن محاضرة تقليدية، بل مساحة حوار وتبادل خبرات حول مفهوم الصيد المسؤول، وحدود القانون، والدور الحيوي للشرطة البلدية في ضبط المخالفات وحماية الطبيعة، دون استهداف الصيادين أو المساس برياضة الصيد المستدامة.

معرفة ميدانية وخبرة تقنية

قاد الجلسة أدونيس الخطيب، رئيس مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام MESHC والمنسق الميداني للصيد المسؤول في جمعية حماية الطبيعة في لبنان، حيث قدّم عرضاً عملياً يربط بين التشريعات اللبنانية، والتزامات لبنان الدولية، والواقع الميداني للصيد في البقاع. وركّز على أهمية التحول من منطق المخالفة والعقاب فقط، إلى منطق الوقاية، والتوعية، وبناء الثقة مع الصيادين.

وشاركت في الجلسة شيرين بو رفول، رئيسة وحدة مكافحة الصيد الجائر APU ومديرة مكتب منظمة CABS الدولية في لبنان، حيث شددت على أن نجاح مكافحة الصيد غير المشروع لا يتحقق إلا من خلال شراكة حقيقية مع السلطات المحلية، وعلى رأسها الشرطة البلدية، باعتبارها الأقرب إلى الأرض والناس. كما عرضت دور وحدة APU في الرصد، والتوثيق، والمتابعة القانونية بالتنسيق مع الجهات الرسمية.

بدوره، قدّم مارون بو رفول، المحقق الميداني في وحدة APU وعضو فريق CABS في لبنان، أمثلة عملية من التحقيقات الميدانية، موضحاً كيف يمكن للبلاغات المحلية والتدخل السريع أن يحدّا من الانتهاكات، خاصة خلال مواسم الهجرة والتكاثر.

وحدة APU، نموذج شراكة متعددة المستويات

تأتي هذه الجلسة ضمن مشروع مكافحة الصيد غير المشروع الذي تنفذه وحدة APU، التابعة لكل من مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام MESHC وجمعية حماية الطبيعة في لبنان، بدعم من مؤسسة Hans Wilsdorf، وبالتعاون مع BirdLife International، وبشراكة استراتيجية مع CABS.

ويتميّز هذا المشروع بتنسيقه الوثيق مع غرفة عمليات قيادة الدرك في قوى الأمن الداخلي، وفرع المعلومات والاستقصاء، ومخابرات الجيش اللبناني، ما يضمن تكاملاً بين العمل البيئي والمقاربة الأمنية والقانونية، دون تعارض أو ازدواجية.

دير الأحمر، نموذج قابل للتعميم

ما شهده اتحاد بلديات دير الأحمر يعكس تحولاً تدريجياً في النظرة إلى الصيد، من كونه إشكالية أمنية أو بيئية فقط، إلى كونه ملفاً مجتمعياً يتطلب الحوار، وبناء القدرات، واحترام القانون، وحماية الطبيعة في آن واحد. فمشاركة الصيادين أنفسهم في الجلسة، وفتح النقاش معهم، شكّل رسالة واضحة بأن الصيد المسؤول هو شراكة، لا مواجهة.

في بلد يعاني من ضغوط بيئية متزايدة، تبقى مثل هذه المبادرات حجر الأساس لحماية الطيور المهاجرة، والحياة البرية، وضمان حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة. من دير الأحمر، تتجدد القناعة بأن حماية الطبيعة في لبنان تبدأ محلياً، لكنها تحمل أثراً وطنياً يتجاوز الجغرافيا.

مجلة الحمى العدد السادس

أصدرت جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) العدد السادس من مجلة "الحمى"، والذي يركّز على المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة التابع للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) المزمع عقده في أبوظبي بين 8 و15 تشرين الأول 2025، حيث ستشارك الجمعية في أربع جلسات رئيسية. يتضمّن هذا العدد مقابلة حصرية مع رئيسة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، رزان المبارك، التي شدّدت على أهمية مواءمة عمل الاتحاد مع الأجندات العالمية للتنوّع البيولوجي، وتعزيز الحوكمة والاستجابة لاحتياجات الأعضاء، وتفعيل الانخراط المتعدد الأطراف، وضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا، ورفع أصوات المجتمعات المتنوعة في مسيرة حماية الطبيعة.

اقرأ الأعدادَ السابقة

spot_img
spot_img

تصفح المزيد

حين تلتقي الحكمة القديمة بسرد القصص القصيرة كيف قدّم...

في عالم رقمي تحكمه السرعة ويقاس فيه النجاح بعدد الثواني، ينجح بعض المحتوى في إيقاف التمرير وإجبارنا...
By Bilal Alaouiyeh, Remote Sensing and GIS Expert, Specialist in Spatial Environmental Governance and Biodiversity Mapping.

الحِمى في الذاكرة المكانية للبنان

قراءة الماضي من خلال الخرائط الطبوغرافية في ستينيات القرن الماضي وإعادة اكتشاف مشاهد الحماية التقليدية بقلمبلال علويّهخبير في...

توقيفات بحق ممارسي الصيد الجائر في عدد من المناطق...

في إطار الجهود المستمرة لمكافحة الصيد غير المشروع وحماية التنوع البيولوجي في لبنان، وبناءً على شكاوى واردة...